
بقلم : مهدي قاسم الدراجي
تبقى ظلامة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) جرحاً مفتوحاً في ضمير التاريخ، ونداءً أخلاقياً يتجدد في قلب كل إنسان حي الضمير، فهي ليست حادثة عابرة كتبت على هامش الزمن، بل هي قضية كرامة إنسانية وروحية تمثل امتداد نور النبوة وروح الرسالة، وقد وضعها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في مقام لا يقاس حين قال: “فاطمة بضعة مني يؤلمني مايؤلمها ويؤذيني ما يؤذيها”، هذه الشهادة النبوية لم تحدد مكانتها فحسب، بل جعلت احترامها معياراً لصدق الانتماء إلى القيم المحمدية، ولعل تعدد الروايات في تاريخ استشهادها خمسة وسبعون يوماً، تسعون يوماً، أو مئة وعشرة أيام بعد رسول الله لم يكن مجرد اختلاف في النقل، بل تحول إلى رسالة بليغة، مفادها أن مظلوميتها أعمق من أن يحدها رقم واحد أو يوم واحد، فوجود ثلاث روايات يعكس أن جرح فاطمة بقي حياً، وأن الأمة لم تتجاوز بعد حجم الخسارة، وأن الحقيقة مهما حجبت تبقى تبعث السؤال ماذا جرى لبضعة النبي؟ وهكذا ظلت المظلومية حية، تتردد في ضمير المؤمن كل عام، درساً في العدل، وموقفاً ضد كل أشكال الظلم.
ولم يكن أثر فاطمة مقتصراً على الماضي، بل ظل ممتداً في المرأة المؤمنة المعاصرة التي ترى في الزهراء قدوة في الطهر والصلابة والوعي الرسالي، إن المرأة الجامعية اليوم، وهي تمضي في قاعات العلم والمعرفة، تحمل في شخصيتها شيئاً من إشراقة فاطمة قوة الحجة ورصانة الأخلاق وحضور الفكر، وتلك الطالبة التي تمشي إلى طريقها العلمي بضمير نقي، إنما تعيد سيرة الزهراء التي جعلت العلم عبادة والحياء تاجاً يليق بابنة خاتم الأنبياء، ومن بين النماذج المشرقة تبرز النساء الأسديات، اللواتي يحملن إرث بني أسد الذين وقفت نساؤهم مواقف خالدة في ساحات الفداء، فكما شهد التاريخ وقفتهن المشرفة في أرض كربلاء ووفاءهن في حماية أجساد الشهداء وتشييعهم باحترام، كذلك تقف اليوم نساء أسديات في ميادين الثقافة والجامعة يخضن معارك الوعي والفكر، ويحملن راية الرسالة بسلوكهن وأدبهن وثباتهن الأخلاقي، فالمرأة الأسدية التي تربت على يد أحفاد حبيب بن مظاهر الاسدي (رضوان الله تعالى عليه) أصحاب الكلمة والموقف كانت في المعترك الجامعي لا تقل شرفاً عن المرأة الأسدية في معركة كربلاء الأولى واجهت قسوة السيوف والثانية تواجه غبار الأفكار، وكلاهما تحمل من نور فاطمة ما يجعلها ثابتة راقية ومؤمنة بأن العلم جهاد، وأن الكلمة الطيبة سهم في وجه الجهل.
إن أثر فاطمة الزهراء (عليها السلام) بالمرأة في الجامعة وفي المجتمع، ليس أثراً عاطفياً فقط، بل أثراً حضارياً يدفع إلى صون الكرامة، والتمسك بالحق، والدفاع عن القيم مهما تغيرت الأزمنة، ولذلك تبقى مظلوميتها درساً مستمراً أن الحق قد يغتال لكن نوره لا يموت وأن المرأة حين تتمثل بخطى الزهراء تصبح صانعة وعي ومنبع أخلاق يشع، وهكذا فإن ظلامة فاطمة (عليها السلام) ليست صفحة تاريخية، بل ضميراً حياً يذكر بأن بقاء نورها في القلوب ضمانة لعدم انطفاء الحق، وأن حضورها في المرأة المؤمنة في الجامعات وفي نساء بني أسد هو امتداد خالد لرسالة حملتها سيدة نساء العالمين، وبقيت مثالاً للثبات والكرامة عبر كل العصور.