صناعة التفاهة في الإعلام العراقي

بقلم مهدي قاسم الدراجي

السؤال المطروح لماذا يتسابق الإعلام العراقي باستضافة بنات الليل والراقصات وتسويقهن للمجتمع بعنوان فنانة؟! ، ولماذا يقدم الإعلام العراقي الفن الهابط المجرد من الذوق العام الخادش للحياء والمخالف لذوق المجتمع العراقي؟! ولماذا يقدم دراما خالية من أي مضمون من شأنها معالجة قضايا المجتمع؟! كل ذلك لم يأتي عن فراغ بل له من يخطط له ويرسم قواعد إشغال المجتمع بأمور (تافهة)، يقول المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي هنالك عشرة استراتيجيات يسلكها الإعلام للسيطرة على الشعوب من ضمنها ستراتيجية الالهاء مفادها وكما يقول : ” هنالك عنصراً أساسياً في التحكم الاجتماعي هو إلهاء انتباه العامة للقضايا والتغييرات الاجتماعية الهامة التي تحددها النخب السياسية والاقتصادية، من خلال تصدير كم كبير من الإلهاءات والمعلومات التافهة، وتتضمن تلك الاستراتيجة أيضا منع العامة من الاطلاع والمعرفة الأساسية بمجالات العلوم والاقتصاد وعلم النفس والعلوم البيولوجية”.

لاتعتبر التفاهة مجرد كلمة مالم يكن لها صُناع يسعون إلى تحقيقها بشتى الطرق واسهلها للوصول إلى المتلقي،لتحقيق غايات بمختلف الوسائل، سابقاً وقبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي كانت ثقافة الفرد تصقل من خلال المحيط البيئي الذي يعيشه، بينما اليوم أصبح الإعلام الرقمي المسيطر الذي يتميز بإنتشار واسع لايحدهُ حدود ولا تلزمهُ الضوابط.

يقول وزير الدعاية في ألمانيا جوزيف غوبلز
أعطني اعلام بلا ضمير أُعطيك شعباً بلا وعياً.
على مايبدوا أن تسفيه العقول بشكلٍ مقصود أصبح الشغل الشاغل للإعلام العراقي الذي أصبح ينحدر إلى مستويات خطيرة من التفاهة في الرسالة الإعلامية التي أصبحت لاتهتم لقيم المجتمع العراقي من جهة ومعالجة القضايا التي تهم ذلك المجتمع من جهة أخرى!!

خلال دراستنا في مجال الإعلام عرفنا ان الإعلام هو (سلطة رابعة) يعرض على المتلقي كل مايهمه من مشاكل مقدما بالوقت ذاته انجع الحلول التي من شأنها معالجة كل القضايا التي يعاني منها المجتمع العراقي بشكل عام، كمتلقي و باعتباري جزءٌ لايتجزء من ذلك المجتمع اعيش ما يعيشه غيري من مشاكل أصبحت تتزايد يوماً بعد يوم من مشاكل إقتصادية واجتماعية وسياسية عصفت البلد، نرى ومن خلال اطلاعنا على اعلامنا العراقي الذي أصبح يفتقر لأبسط الشروط الإعلامية أصبح اعلاما يصيغ رسالته وكأنما يعيش في وادٍ والشعب في وادٍ آخر!!! أصبح الإعلام العراقي يتسابق لاستضافة الراقصات بشكل متزايد تحت عناوين شتى (فنانة، إعلامية… إلخ ) مقدما بذلك صورة سيئة عن المرأة العراقية، بينما بالوقت ذاته لم تكلف المؤسسات الإعلامية نفسها لاستضافة اي امرأة عراقية في مجالات علمية!! وهذا مؤشر خطر يبين المتبينات للإعلام ورسالته التي من المفروض أن يكون اعلاما ينهض بالواقع الاجتماعي ونقل الصورة الحقيقية لشرائح المجتمع.

قرأت قبل أيام مقابلة أجرتها صحفية خليجية مع الشاعرة نازك الملائكة في تسعينات القرن الماضي وانا اقرا تلك المقابلة شاهدت أسئلة الصحافي وأجوبة الشاعرة المملوءة بالفصاحة وبلاغة الكلام ورجاحة العقل، بعكس البرامج التي تُعرض في الوقت الحالي والتي أصبحت تعتاش على أسئلة لاترتقي إلى مستوى جيد بل اسئلة تركز على جانب الفضائح والقيل والقال والتسقيط الخالية من أي مضمون!! ، اتضح لي أن مايعيشه بعض من أفراد المجتمع أصبحوا ياخذون اغلبية ثقافتهم من مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تنحدر نحو الهاوية!! وأصبحوا يرزمون الشخصيات التافهة التي تنشئ محتواها المجرد من كافة المضامين والذين أصبحوا المسيطرين على الشاشة بشكل كبير!!

افتقار الإعلام العراقي إلى معايير حقيقية من شأنها النهوض بالواقع الاجتماعي وإيجاد الحلول المناسبة من خلال الدراما التي أصبحت هي الأخرى بعيدة عن الواقع العراقي أو من خلال الفن بأسس مبينة على قواعد صحيحة من شأنها ومع الوقت معالجة كل القضايا الاجتماعية التي أصبحت تتزايد يوماً بعد يوم وجيل بعد جيل.

وختاما في كل رسالة إعلامية توجه إلى الجمهور لابد أن تمر بفلترة تجنبا لأي شي لايرتقي إلى ذائقة المتلقي من خدش للحياء أو إساءة للذائقة، واعتماد آلية للطرح القيم الذي يأخذ بنظر الاعتبار معالجة كافة القضايا التي تهم المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *